من الملاحظ حدوث خسائر فادحة في إجمالي الناتج المحلي في جميع مجموعات بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن المتوقع أن يكون مستوى إجمالي الناتج المحلي في عام 2021 في البلدان النامية المستوردة للنفط أقل بنسبة 9.3% من مستوى إجمالي الناتج المحلي المفترض تحقيقه لولا تفشي جائحة كورونا. وبلغ الانخفاض في مستوى إجمالي الناتج المحلي المفترض تحقيقه في دول مجلس التعاون الخليجي نسبة 7.7%، و4.4% في البلدان النامية المُصدرة للنفط. وكانت أشد الانخفاضات في دول مجلس التعاون الخليجي والبلدان الأخرى المُصدرة للنفط، وهو أمر غير مستغرب إذا وضعنا في الاعتبار الانهيار الذي حدث في أسعار النفط العالمية.
كانت الاضطرابات الكبيرة التي صاحبت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، فضلاً عن الهبوط الحاد في أسعار النفط، شديدة الوطأة على اقتصاد البحرين في عام 2020، حيث زاد العجز في المالية العامة والحساب الخارجي تفاقماً، بعد أن كان على طريق التراجع خلال عام 2019. ومن الممكن أن تتحسن آفاق المستقبل إذا ما توافرت إمكانية الحصول على اللقاحات على نطاق واسع، وارتفعت أسعار النفط، وكان هناك التزام بتنفيذ السياسات المحددة في برنامج تحقيق التوازن المالي، خاصة تلك المتعلقة بمعالجة أوجه الجمود في الموازنة، وتقديم دعم من المالية العامة للفئات الأكثر احتياجاً والأولى بالرعاية. وترتبط مخاطر التطورات السلبية بزيادة تفشي حالات الإصابة بفيروس كورونا، والتقلب في أسعار الهيدروكربونات، والتأخر في تنفيذ إصلاحات المالية العامة.
من المتوقع أن يعاني الاقتصاد، الذي يواجه أزمة متعددة الأوجه، انكماشاً بنسبة 5.4% في عام 2020، تحت تأثير الانخفاض الحاد بنسبة 8% (على أساس سنوي مقارن) في الاقتصاد غير النفطي، وبالأخص المتعلق بقطاعي الخدمات والسياحة شديدي الأهمية. وشهد إجمالي الناتج المحلي النفطي تراجعاً بنسبة 2.0% في ضوء استمرار تحديد إنتاج النفط بموجب اتفاق خفض الإنتاج "أوبك +". وأدى ضعف طلب المستهلكين إلى انكماش بنسبة 2.6% في عام 2020 (على أساس سنوي مقارن).
تتوقف الآفاق المستقبلية للبحرين على أوجه عدم اليقين المرتبطة بالجائحة، وفعالية التطعيم، وتطور أسواق النفط العالمية وعملية الإصلاح. ومن المتوقع أن ينتعش النمو الاقتصادي تدريجياً إلى 3.3% في عام 2021، بدعم من الانتعاش في النشاط غير النفطي، فمن شأن طرح التطعيمات سريعاً أن يعزز القطاعات الأكثر تضرراً من الجائحة. ومن المتوقع أن يظل النمو متواضعاً بنسبة 3% في المتوسط على المدى المتوسط، نظراً لتدابير التقشف المالي التي تعد بمثابة عوامل معاكسة تعوق جهود تدارك الأمور بعد انتهاء الجائحة.
الكويت
تواصل الكويت السعي للتكيف مع آثار صدمتي جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وهبوط أسعار النفط اللتين ألحقتا أضرارا بالغة باقتصادها ومركز ماليتها العامة ومركزها الخارجي. ومع استمرار عجز الموازنة العامة في الأمد المتوسط، وفي غياب تشريع جديد للدين العام، سيصبح السحب من الأصول السيادية حتميا، وقد لا يصاحبه إجراء إصلاحات. وثمة مخاطر سلبية كبيرة تلقي بظلالها على آفاق المستقبل، منها الاحتكاكات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والتأخيرات في توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا على جميع السكان، وتجدد الضغوط الخافضة لأسعار النفط.
كما هو الحال في بلدان أخرى، بدأت تلوح في الأفق نُذُر موجة جديدة لجائحة كورونا. وسجَّل المتوسط المتحرك لمدة سبعة أيام لحالات الإصابة الجديدة بالفيروس مستوى مرتفعا جديدا في أوائل فبراير/شباط (980 حالة)، بعد أن كان في مسار تنازلي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2020. ودفعت قفزة في حالات الإصابة الجديدة السلطات إلى إعادة فرض قيود في أوائل فبراير/شباط. وفي الوقت ذاته، بدأ تنفيذ البرنامج الوطني للتطعيم ضد فيروس كورونا في أواخر
ديسمبر/كانون الأول 2020 بهدف تحصين 80% من السكان بحلول سبتمبر/أيلول 2021، وحتى نهاية مارس/آذار كان 8.7% من السكان فحسب تلقوا جرعة واحدة على الأقل من اللقاح. ولاقت آفاق المستقبل دعما من أسعار النفط التي استعادت بعضا مما فقدته منذ ربيع عام 2020 وذلك بفضل القيود الفعالة على إمدادات المعروض التي فرضها اتفاق أوبك + وانتعاش النشاط الاقتصادي العالمي مع تخفيف البلدان التدابير الرامية إلى احتواء الجائحة.
من المتوقع أن يتعافى الاقتصاد مسجلا نموا نسبته 2.4% في 2021 وذلك بفضل تسارع خطى انتعاش الطلب العالمي على الطاقة وأسعارها مع استمرار تدني مستويات إنتاج النفط الذي سيبلغ معدل نموه 0.2% فقط وفقا للالتزام باتفاق أوبك +. ومع اشتداد زخم برنامج التطعيم ضد فيروس كورونا، وتخفيف المزيد من القيود المتصلة بالجائحة، ستواصل القطاعات غير النفطية مسار نموها الذي يُقدَّر أنه سيصل إلى 4.4% في عام 2021 بفعل اشتداد الطلب المحلي. وفي الأمد المتوسط، سيشهد معدل النمو مزيدا من التعافي مع استمرار الإنفاق العام ونمو الائتمان ليبلغ في المتوسط نحو 3.2%. ومن المتوقع أن يرتفع معدل التضخم مع تعافي النشاط الاقتصادي.
سلطنة عمان
لقد أدى اتخاذ إجراءات سريعة ومنسقة إلى الحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، بيد أن القيود المفروضة بسبب الإغلاق ألقت بظلالها بشدة على النشاط الاقتصادي في عام 2020. وأدى هبوط أسعار النفط وتراجع الصادرات إلى اتساع عجز المالية العامة والحساب الخارجي بصورة كبيرة، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الدين العام والمخاطر التمويلية. وقد استند استشراف الآفاق المستقبلية إلى افتراض احتواء الجائحة، وتجنب حدوث انهيار آخر في أسعار النفط، والنجاح في تنفيذ خطط تصحيح أوضاع المالية العامة. أما إذا تحققت سيناريوهات تدهور الأوضاع فمن شأن ذلك أن يزيد من ضغوط التمويل الخارجي.
تشير التقديرات إلى انكماش النمو الإجمالي بنسبة 6% في عام 2020. ويرجع ذلك بالأساس إلى تراجع إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنسبة تزيد على 9%، حيث أثرت إجراءات الإغلاق اللاحقة تأثيراً كبيراً على الطلب المحلي، وكان القدر الأكبر من المعاناة من نصيب قطاعي السياحة والخدمات. وقد ساعدت الزيادة الكبيرة في إنتاج المكثفات، التي لا تخضع لاتفاق خفض الإنتاج "أوبك+"، قطاع النفط على التكيف مع الأزمة، على الأقل من حيث الحجم، فلم يتقلص إجمالي الناتج المحلي النفطي سوى بمقدار 2% فقط. وتحول التضخم إلى معدلات سالبة مسجلاً -1.0% (على أساس سنوي مقارن) في عام 2020، الأمر الذي يعكس ضعف الطلب المحلي.
من المتوقع أن يسجل النمو الإجمالي انتعاشاً متوسطاً بنسبة 2.5% في عام 2021، مدعوماً بعملية توزيع اللقاحات وتخفيف قيود الإغلاق. وسيؤدي انتعاش مركّز في فترة متأخرة إلى ارتفاع في النمو إلى 6.5% في عام 2022، نتيجة لارتفاع أسعار النفط، وزيادة تطوير قطاع الهيدروكربونات، قبل أن ينخفض إلى 4% في عام 2023 على إثر تدابير التقشف المالي. ومن المتوقع أن يرتفع معدل التضخم إلى 3% في عام 2021، في استجابة لتعافي الطلب المحلي، وبدء العمل بضريبة القيمة المضافة في أبريل/نيسان 2021، ولكنه سينخفض في السنوات التالية مع تبدد تأثير ضريبة القيمة المضافة على التضخم.
قطر
دخلت قطر أزمة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) في ظل طائفة فريدة من الظروف، وهي اكتسابها درجة عالية من التخصص في صادرات الغاز الطبيعي المسال، والتدنِّي الشديد لقنوات التواصل بينها وبين جيرانها الأقربين بسبب أزمة دبلوماسية. وساعدت هذه العوامل إلى حد ما في حماية قطر من آثار جائحة كورونا. وتتوافر العوامل الأساسية لتحقيق تعافٍ قوي من خلال وجود طلبٍ مرنٍ على الغاز كوقود انتقالي، ومجموعة واسعة من الإصلاحات لبيئة الأعمال، وقطاع سياحي كان يتأهب لعام 2022 وليس لعام 2020-2021.
شهدت قطر قفزة أولية لحالات الإصابة بفيروس كورونا في الربعين الأول والثاني لعام 2020، وأمكن السيطرة عليها من خلال تدابير إغلاق صارم والتباعد الاجتماعي وقيود على السفر. ونتيجة لذلك، شهدت البلاد مسارا للجائحة اتسم ببطء واستقرار حالات الإصابة الجديدة وانخفاض نسبي لأعداد الوفيات، وهو ما أتاح للسلطات تخفيف القيود تدريجيا. وعلى النقيض من البلدان الأخرى في مجلس التعاون الخليجي، عادت حركة التنقل (وفقا لقياس تقارير جوجل عن التنقل) إلى مستويات ما قبل الجائحة بحلول الربع الثالث. واقتربت أنشطة تجارة التجزئة والترفيه والتردد على محطات المواصلات العامة والتنقل إلى مكان العمل من الوتيرة النشطة التي حدَّدتها الأنشطة السكنية خلال فترة الإغلاق.
من المتوقع أن يبلغ معدل نمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي 3% في عام 2021، ونفس المعدل لنمو إجمالي الناتج المحلي النفطي وغير النفطي وذلك بفضل الطلب المحلي والأجنبي، وكذلك حملات التطعيم وانتهاء النزاع الدبلوماسي. ومع تحسُّن أسعار الطاقة، والاستعدادات النهائية لإقامة بطولة كأس العالم لكرة القدم في 2022، وعائدات السياحة الوفيرة المتوقعة التي قد تدرها أول مناسبة رياضية تحضرها جماهير واسعة بعد جائحة كورونا، من المتوقع أن يبلغ معدل النمو الاقتصادي 4.1% في 2022، وأن ينمو إجمالي الناتج المحلي غير النفطي بنسبة 4.9% (وأن يظل معدل نمو إجمالي الناتج المحلي النفطي عند مستوى 3%).
المملكة العربية السعودية
بعد انكماش حاد في عام 2020، يبدو أن اقتصاد المملكة العربية السعودية في طريقه نحو التعافي، إذ استقرت حالات الإصابة الجديدة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) عند مستويات يمكن السيطرة عليها، وتتحسن الظروف العالمية، ويكتسب البرنامج الوطني للتطعيم ضد الفيروس زخما. ومن شأن تحسّن أسعار النفط وتخفيف تدابير احتواء الجائحة أن يدعما مركز ماليتها العامة ومراكزها الخارجية في الأمد المتوسط. وتنبع مخاطر تدهور الأوضاع التي تلقي بظلالها على آفاق المستقبل من احتمالات ازدياد حالات الإصابة بالفيروس، وتجدد الضغوط الخافضة لأسعار النفط. وإذا اُتخذت تدابير إضافية للتقشف على صعيد المالية العامة فسوف تكون أيضا عائقا في الطريق إلى التعافي.
تواجه السعودية تحديا مُضاعَفا للتعامل بشكل مباشر مع الجائحة، ومع الآثار غير المباشرة للجائحة على سوق النفط. وقد أخذت حالات الإصابة اليومية بالفيروس مسارا تنازليا من ذروتها في يونيو/حزيران 2020 (4400 حالة) إلى أوائل يناير/كانون الثاني 2021 (100 حالة)، ولكن بحلول منتصف فبراير/شباط ظهرت سلالات جديدة للفيروس أكثر قدرة على العدوى والانتقال، وهو ما اضطر السلطات إلى إعادة فرض حظر جزئي على السفر. وفي الوقت نفسه، بدأ تنفيذ البرنامج الوطني للتطعيم ضد الفيروس في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2020 قبل كثير من بلدان المنطقة بهدف تحصين 70% على الأقل من السكان بنهاية عام 2021. ويبلغ معدل التطعيمات حاليا 7 جرعات لكل 100 شخص، وتزداد وتيرته بسرعة، لكنه لا يزال أقل كثيرا من أن يُوفِّر مناعة كافية من المرض. ومن ناحية أخرى، تغلبت المملكة على التقلبات غير العادية في سوق النفط مستخدمة هيكل اتفاق أوبك + والتعديلات المدروسة بعناية لمستويات إنتاجها حتى تساير إمدادات المعروض التخفيف العالمي التدريجي لتدابير احتواء الجائحة. ومع ذلك، أصبحت أسعار النفط الآن عند مستوى يحفز على عودة الإمدادات غير التقليدية من الخام إلى السوق.
من المتوقع أن يبلغ معدل نمو الاقتصاد 2.4% في عام 2021، بفضل انتعاشٍ متسارعٍ للطلب العالمي على الطاقة وأسعارها، واقتراب مستويات إنتاج السعودية من النفط من التزامها الأصلي وفقا لاتفاق أوبك +، وهو ما يُنبِئ ببلوغ معدل نمو القطاع النفطي 0.5%. ومع اكتساب برنامج التطعيم الوطني ضد الفيروس مزيدا من الزخم، وتخفيف القيود المرتبطة بالجائحة، ستستأنف القطاعات غير النفطية مسارها للنمو الذي يُقدَّر أنه سيصل إلى 3.5% في 2021 بفضل ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي للقطاع الخاص، والاستئناف التدريجي للسياحة الدينية، وزيادة الإنفاق الرأسمالي المحلي الذي أشارت إليه الإستراتيجية الخمسية لصندوق الاستثمارات العامة (2021-2025). ومن المتوقع أن يصل معدل النمو في الأمد المتوسط إلى 3.3% وأن يتراجع معدل التضخم الكلي في عام 2021 مع تبدد التأثير الذي دفعت إليه ضريبة القيمة المضافة على التضخم.
الإماارت العربية المتحدة
ألحقت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وتداعياتها الاقتصادية صدمة كبيرة باقتصاد الإمارات المفتوح. وأدى انخفاض أسعار النفط وخفض الإنتاج بموجب اتفاق "أوبك +" إلى تعطيل قطاع الهيدروكربونات، الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد، في حين تأثر الاقتصاد غير الهيدروكربوني المعني بالخدمات تأثراً شديداً بانقطاع التجارة العالمية والسفر. وتتوقف الآفاق الاقتصادية في الإمارات في الأجل القريب إلى حد كبير على مدى تهيئها للاستفادة من تعافي الاقتصاد العالمي. وتتمثل أولوية البلاد على المدى البعيد في زيادة تنويع الاقتصاد وخلق فرص العمل في القطاع الخاص.
تعد الإمارات العربية المتحدة، الغنية بالثروة الهيدروكربونية، ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط بعد المملكة العربية السعودية. وعلى مدى السنوات الماضية، كثفت السلطات جهودها لتنويع الاقتصاد بعيداً عن مجال الهيدروكربونات، ونجحت الإمارات في تبوء مكانتها بوصفها مركزاً عالمياً للتجارة والمال والسفر في المنطقة. وفي حين يشكل القطاع غير الهيدروكربوني ثلثي إجمالي الناتج المحلي، لا يزال الاقتصاد معتمداً على الهيدروكربونات باعتبارها محرك النمو والمصدر الرئيسي للإيرادات الحكومية، وبالتالي فلا يزال عُرضة لتقلبات أسعار النفط العالمية.
من المتوقع أن ينتعش الاقتصاد بالتزامن مع تعافي الاقتصاد العالمي. وسيستعيد قطاع الهيدروكربونات قوته مع ارتفاع أسعار النفط العالمية، على نحو يسهم في استعادة مركز المالية العامة والمركز الخارجي، وتعزيز الثقة في الاقتصاد الكلي. ومن شأن هذا، إذا ما اقترن بتعافٍ مستدام للتجارة العالمية والسفر، أن يساعد القطاع غير الهيدروكربوني على الانتعاش. ومن الممكن أن يؤدي تطبيع العلاقات مع إسرائيل وقطر إلى توسيع الفرص الاقتصادية. ولكن ربما خلفت الجائحة تأثيراً طويل الأمد على السفر العالمي، الأمر الذي من شأنه أن يعوق التعافي السريع لصناعة السياحة الضخمة في الإمارات العربية المتحدة. وستظل الآفاق الاقتصادية على المدى الطويل متوقفة على السلطات في تهيئة بيئة أعمال مناسبة لتعزيز النمو في القطاع غير الهيدروكربوني وخلق فرص العمل في القطاع الخاص.